محمد عابد الجابري

من ويكي الاقتباس

‏"... نعم يمكن أن تنجح في إقناع من يفكر من داخل المرجعية التراثية وحدها بأن الأمر لا يتعلق قط بإنشاء دولة ملحدة ولا بنزع الصبغة الإسلامية عن المجتمع»؛ يمكن أن تحلف له بأغلظ الأيمان .بأن الملقصود ليس هو هذا ولا ذاك؛ وسيكتفي بالقول «الله أعلم» ويسكت. ولكتك لا تستطيع أبداً أن تقنعه بأن «فصل الدين عن الدولة»» ليس معناه حرمان الإسلام من «السلطة» التي يجب أن تتولى تنفيذ الأحكام. وإذن فيجب البدء بالتمييز بين السلطة المنفذة للأحكام وبين الهيئة الاجتماعية المسماة: الدولة. لا شيء يعتم الرؤية ويوقع في التيه الوجداني والضلال الفكري كالأسعلة المزيفة: الأسئلة المزيفة هي» كأسئلة الأطفال» أسعلة تطرح مشاكل مزيفة يعيشها الوعي على أنها مشاكل حقيقية. وخطورة السؤال المزيف تكمن في أنه يستدعي جواباً "

" الأسئلة المزيفة هيء في الغالب؛ أسئلة لا تستمد إشكاليتها من الواقع» بل هي تعبّر عن إشكالية فكر حالم؛ أو فكر مجرد» ميتافيزيقي» أو تطرح في مجال معين مشكلة تستقي مضمونا وتحديداتها من مجال آخر. والثنائية التي نحن بصددهاء ثنائية الدين والدولة؛ في الفكر العربي الحديث؛ هي من هذا النوع الأخير من المشاكل. ذلك أن السؤال «هل الإسلام دين أو دولة» سؤال لم يسبق أن طرح قط في الفكر الإسلامي منذ ظهور الإسلام حتى أوائل القرن الماضي» وإنما طرح ابتداء من منتصف القرن الماضي بمضمون لا ينتمي إلى التراث الإسلامي؛ مضمون نبمضوي بجد أصوله وفصوله في النموذج الحضاري الأوروبي الذي كان العرب وما يزالون يطمحون إلى تحقيقه في أوطانهم» وبالخصوص ما يتعلق منه بالتقدم والنهضة."

" نعم إن المشاكل لا تقبل النقل من مجال إلى مجال إلا إذا كان هناك في المجال المنقول إليه ما يجعل عملية النقل تلك مبررة نوعاً من التبرير» بمعنى أن التأثيرات الخارجية لا يكون لها مفعول إلا مع وجود استعداد (داخلي) مسبق. ومع ذلك فالمنقول» حتى في هذه الحالة؛ سيظل غريباً شاذاً» يثير المشاكل ويتسبب في احتكاكات واصطدامات داخل المنقول إليه» إذا لم تتم تبيئة هذا الأخير تبيثة تامة ملائمة ناجحة. ومشكلة العلاقة بين الدين والدولة كما نقلت إلى المجال العربي» في القرن الماضي وأوائل هذا القرن» لم يتم بعد تبيئتها تبيثة ملائمة في الواقع العربي الفكري والحضاري كي تصبح معبّرة بالفعل عن همومه وتطلعاته؛ وليس عن هموم وتطلعات الواقع الأورري الذي نقلت منه."