هيرتا مولر
هيرتا مولر؛ ولدت في 17 اغسطس 1953، روائية وشاعرة ألمانية ولدت في قرية بانات غرب رومانيا. حصلت على جائزة نوبل في الأدب عام 2009 لتكون المرأة الثانية عشر التي حصلت على الجائزة بهذا الفرع منذ إطلاقها عام 1901. وكان والدها في الحرس الخاص النازي خلال الحرب العالمية الثانية وقام الشيوعيون الرومانيون بترحيل والدتها إلى معسكر اعتقال في الاتحاد السوفياتي بعد الحرب. وطردت مولر من أول عمل لها كمترجمة بعد أن رفضت العمل لحساب الشرطة الخاصة التابعة للديكتاتور السابق نيكولاي تشاوشيسكو.
أشهر اقتباساتها
[عدل]
«ولدتُ في رومانيا. هناك نشأتُ وعشت إلى أن بلغت الثانية والثلاثين. غادرت رومانيا مضطربة اضطراباً يصعب عليّ وصفه»
«كتبت كتبي الأولى في رومانيا. كتابي الأول هو (المنخفضات)، وقصصه تدور عما يراه طفل في قرية بانات الألمانية: في ذاك الكتاب، وفي كتبي الأخرى، الموضوع الأساسي هو الدكتاتورية. لا أعرف شيئاً سواها ولم أرَ شيئاً سواها. وواصلت اشتغالي على هذا الموضوع. لا أعرف مشهداً آخر غير المشهد الذي جئتُ منه وأنا أعرفه جيداً»
«تعكس شخصياتي الأدبية ما ينتابُ الإنسان في ظل نظام أو مجتمع شمولي. وأعتقد بأن هذا الموضوع ليس من اختياري أنا، وإنما بالأحرى هو الموضوع الذي اختارته لي حياتي. أفتقد حرية الاختيار. ليس بوسعي القول: "أريد أن أكتب عن هذا الشيء أو ذاك"، فأنا محكومة بالكتابة عما يعنيني وعن الأشياء التي لن تتركني بسلام»
«أدب السيرة الذاتية يسير بالتوازي مع الأحداث الكبرى، وبالتوازي مع حيوات المؤلفين. فأثناء الخمسينيات، على سبيل المثال، كان الغولاغ( معسكرات العمل) ماثلاً في أوروبا الشرقية؛ ولن ننسى عصر الاشتراكية القومية، عصر هتلر وإبادة اليهود، وهو موضوع تناوله كتاب كثيرون بالتوازي مع سيرهم الذاتية. أعتقد أن هذا النوع من الأدب موجود في كل مكان، من كوبا إلى الصين»
«في رومانيا، يتظاهر الجميع بأن الدكتاتورية قد اختفت في الهواء لأن البلاد كلها تعاني من نسيان جمعي، رغم كونها مرتعاً سابقاً لأسوأ الدكتاتوريات في أوروبا الشرقية»
«الدكتاتورية هي موضوع كتبي كلها. أؤمن بأن الأدب يتجه دائماً ذاك التوجه الدقيق إلى حيث ينزل الأذى بالإنسان. لقد فُرِضَ عليّ هذا الموضوع ولم أختره»
«كتبت رواية أرض الخوخ الأخضر في ذكرى أصدقائي الرومانيين الذين قتلوا، وشعرت بأن هذا هو واجبي»
«الديكتاتور الروماني تشاوشيسكو محدث نعمة يستخدم الصنابير وادوات الطعام المصنوعة من الذهب كما أن لديه ضعفا خاصا تجاه القصور»
«رومانيا اصيبت "بفقدان الذاكرة الجماعي" لماضيها القمعي. سكان رومانيا يتظاهرون بان ذلك الماضي اختفى، أن البلاد جميعها مصابة بفقدان الذاكرة الجماعي»
«رومانيا كانت مأوى لاعتى الطغاة في شرق أوروبا وأكثرهم شرا بعد ستالين، خلق (تشاوشيسكو) لنفسه صور بطل توازي ما يحدث في كوريا الشمالية»
الملك ينحني ليقتل [1]
«ما الذي يستطيع الكلام أن يفعلة؟ حين يكون الجزء الأعظم من الحياة غير مقبول!»
اقتباسات من رواية أرض الخوخ الأخضر[2]
- كانت هناك ست قوارير من المَسكرات تحت وسائد الأسرة الستة. ستّ بنات كنّ يبصقن في القوارير ويحركن الهباب بنكاشات الأسنان إلى أن يغدو المعجون الأسود لزجاً، ثم يفتحن عيونهن على اتساعها ويمسحن جفونهن بنكاشات الأسنان فتسمك رموشهن وتسودّ. ولكن بعد مرور ساعة واحدة تتخلل الرموش فجوات رمادية، ينشف اللعاب ويتفتت الهباب على خدودهن.
- لولا التي لم تكن مهيأة لحياة المدينة، تتعرض لتحرشات جنسية وحشية فتشنق نفسها وتُطرَد من الحزب الشيوعي بعد موتها؛ والساردة هي إحدى زميلاتها في الغرفة، لا تلبث أن تغدو موضع شبهات سياسية، وعندما تترك الجامعة تجد مفاجأة كريهة في السرير هي أذن خنزير.
- قال إدغار: لا يطيقنا أحد إذا التزمنا الصمت، وإذا تكلمنا استحمقونا، كنا جالسين نحدق في الصور المفرودة على الأرض منذ وقت طويل. تخدرت ساقاي من الجلوس.
- تتسبب الكلمات التي في أفواهنا بالكثير من الأذى الشبيه بما تتركه أقدام تدوس العشب، ولكن صمتنا مؤذٍ أيضاً.
- حتى هذا اليوم، ليس بوسعي حقاً أن أتخيل قبراً، وما أستطيعه فقط هو تخيل حزام ونافذة وحبل ونواة ثمرة. بالنسبة إلي، كلُّ موتٍ يشبه كيساً كبيراً.
- انتابني شعور بأن كلَّ شخص يتركُ بموتهِ كيساً كبيراً من الكلمات. والحلاقون وقصاصات الأظافر – هم أيضاً أفكرُ بهم دائماً، لأن الموتى ما عادوا بحاجة إليهم، وما عادوا يضيعون أزرارهم كذلك.
- قال إدغار: ربما أحسوا بأن الطاغية كان خطأ بطريقةٍ تختلف عن تفكيرنا نحن. لديهم ما يكفي من البراهين، لأننا، نحن أيضاً، اعتبرنا أنفسنا مجرد أخطاء. ففي هذه البلاد كان علينا أن نمشي ونأكل وننام ونحب ونحن خائفون، إلى أن يحين مرة أخرى موعد الحلاق وقصاصات الأظافر.
- قال إدغار: كلُّ من يصنع المقابر، فقط لأنه يمشي ويأكل وينام ويحب، هو خطأ أكبرُ منا. خطأ من الطراز الأول. خطأ فادح.
- ينتصب العشب عالياً داخل رؤوسنا. وهم يجزُّونه، سيان سكتنا أو تكلمنا.
- كنتُ أغني دون أن أسمع صوتي. هويتُ من خوف ملؤه الريبة إلى خوف ملؤه اليقين المطلق. كان بمستطاعي الغناء كما تغني المياه. ربما جاءني اللحن من غناء جدتي في خَرَفها. ربما كنت أعرف الألحان التي أضاعتها عندما فقدت عقلها. ربما توافدت الأشياء الراقدة في دماغها وعبرت بين شفتي.
- يقول الأب لطفلته: "لا تأكلي الخوخ الأخضر القاسي لأن بذوره الطرية ستقتلك"، ولكنها ترى الشبان الذين يهربون من الأرياف ليصبحوا أعضاء في شرطة المدن وهم يأكلون الخوخ الأخضر بشراهة فلا يقتلهم، بل يجعلهم حمقى يستخدمون "النار السامة للبذور الطرية" كي يرعبوا الناس المذعورين.
- أثناء تجوالي لم أشاهد المعتوهين ومقتنياتهم الزهيدة فحسب، وإنما رأيت أيضاً الحراس وهم يسيرون في الشوارع صعوداً وهبوطاً. شبان ذوو أسنان مصفرة يقفون حراساً على مداخل بنايات كبيرة، خارج المحلات، في الساحات، في مواقف الباصات، في الحديقة العامة التعيسة، أمام المهاجع، في الحانات، خارج محطة القطار. بدلاتهم لا تناسبهم؛ فهي إما فضفاضة أو شديدة الضيق.
- كانوا يعرفون أين تقع أشجار الخوخ في كل منطقة يحرسونها. بل كانوا يسلكون طرقاً ملتوية كي يعبروا بتلك الأشجار. كانت الغصون مثقلة بالثمار، والحراس يملأون جيوبهم خوخاً أخضر يقطفونه على عجل فتنتفخ جيوبهم. كان قطافٌ واحد يكفيهم وقتاً طويلاً. وبعد ملئهم جيوبَ ستراتهم يتغاضون عن الأشجار ويسرعون خطاهم. كانت عبارة ناهش الخوخ بمثابة الشتيمة. وكانت تطلق على محدثي النعمة والانتهازيين والمتملقين وأولئك الذين يدوسون جثث الموتى دون ندم، كما كانت تطلق على الدكتاتور أيضاً.
اقتباسات من رواية أرياف
- القرويون المشردون يحملون ذكرياتهم ويضعونها في أشجار التوت التي جلبوها وزرعوها في أفنية المدينة، غير أنهم يحملون أريافهم في وجوههم أيضاً. * الرعاة الهاربون من الريف كي يعملوا في المصانع ينتجون خرافاً من القصدير، والفلاحون يصنعون بطيخاً خشبياً. والعاملون في المسالخ يشبعون أنفسهم خلسةً من دماء الحيوانات، وأطفالهم هم شركاؤهم: "عندما يقبلهم آباؤهم قبل النوم، تفوح من أفواههم رائحة دم المسالخ، فيرغبون مثلهم بالذهاب إلى هناك (....) كل أسبوع.
- كان كورت يخبرني عن المسلخ، حيث يشرب العمال دماً دافئاً عندما يذبحون الحيوانات ويسرقون لحومها وأدمغتها. أطفالهم وزوجاتهم يتواطأون معهم،
- قال كورت. تستخدم الزوجات ذيول البقر القاسية لمسح الغبار، بينما يلعب الأطفال بالذيول اللينة.
- الجميع هنا قرويون. رؤوسنا غادرت قراها وأقدامنا تقف الآن في قرية مختلفة، لا يمكن أن تكبر أية مدينة في ظل حكم دكتاتوري، لأن كل شيء يبقى صغيراً عندما يخضع للمراقبة
- عندما رفعتُ البطانية كي أستبدل الغطاء، عثرت على أذن خنزير في منتصف الشرشف. تلك كانت طريقة الفتيات في الوداع. هززتُ الشرشف ولم تتحرك الأذن، فقد كانت مخيطة إلى وسطه مثل زرّ.
- لقد آلمني موت تيريزا أشد الألم وكأن لي رأسين أحدهما يحطم الآخر؛ أحدهما مليء بالحب المجزوز، والآخر مليء بالكراهية. أردت أن ينمو الحب من جديد، لكنه نما كالعشب والقش المختلطين معاً، واستحال برهاناً جليدياً يعلو حاجبي.
اقتباسات من رواية جواز السفر
- تعلّق أمالي خريطةَ رومانيا إلى الحائط.
- كل الأطفال يعيشون في المنازل أو في شقق البنايات"، تقول أمالي. "هناك غرف في كل بيت، والبيوت كلها تؤلف معاً بيتاً كبيراً. هذا البيت الكبير هو وطننا. أرض آبائنا.
- تشير أمالي إلى الخريطة وتقول "هذه هي أرض آبائنا"، وتفتش برأس إصبعها عن النقاط السوداء على الخريطة. "هذه هي المدن في أرض آبائنا"
- تقول أمالي. "المدن هي الغرف في هذا البيت الكبير، وطننا. يعيش آباؤنا وأمهاتنا في بيوتنا. إنهم آباؤنا. لكل طفل والداه. والأب في البيت الذي نعيش فيه هو أبونا، وكذلك الرفيق نيكولاي تشاوشيسكو هو أب وطننا. الأم في البيت الذي نعيش فيه هي أمنا، ومثلها الرفيقة إيلينا تشاوشيسكو هي أم وطننا. الرفيق نيكولاي تشاوشيسكو هو أب الأطفال جميعاً. والرفيقة إيلينا تشاوشيسكو هي أم الأطفال جميعاً. الأطفال كلهم يحبون الرفيق نيكولاي والرفيقة إيلينا لأنهما والداهم".
اقتباسات من رواية السفر على ساق واحدة
- التقت إيرين بتوماس عن طريق ستيفن على ضفاف لاندفيركانول. كانت الشمس دافئة، غير أن ضوءها يشي باقتراب فصل آخر. توافدت أصوات باعة الأشياء المستعملة تحملها الريح عبر الأشجار، قادمة من جهة سوق الأحد. وحملت الريح رائحة تشبه رائحة الغبار والملابس القديمة.
- كان سوق الأحد واحداً من الأمكنة الكثيرة التي نسيتها المدينة، حيث يتقنّعُ الفقر بالعمل.
- كانت تنمو في تلك الأمكنة حشائش جاءت من مناطق لا أحدَ يعيشُ فيها: أشواك واخزة وقرّاص ونبات الألفية، وهي بالنسبة لإيرين حشائشُ البلاد الأخرى.
- فزعت إيرين عندما رأت حشائش البلاد الأخرى هنا في المدينة. ساورها الشك بأنها قد جلبت الحشائش معها داخل رأسها. تلمّست إيرين الحشائش لتتيقن من أنها ليست بنات خيالها.
- ساور إيرين شك آخر، وهو أنها قد أبقت حنينها إلى الوطن صغيراً وحبيساً داخل رأسها فما عادت تتعرف إليه؛ وكذلك نحّت كآبتها كلما ظهرت، وشيدت حول حواسها أسواراًً من الأفكار لعلها تتغلب عليها".
اقتباسات من رواية الاستدعاء
- صباح يوم الخميس، شابة لن نعرف اسمها تستقل الحافلة متجهة إلى مكاتب البوليس السري أو المخابرات؛ إنها تعمل في مصنع للملابس الرخيصة، وإثر يأسها من مغادرة رومانيا تقوم بترك ملاحظات سرية داخل بدلات الكتان البيضاء التي يتم تصديرها إلى إيطاليا، حيث تخيط إلى جيوب هذه البدلات رسائل كتبت فيها "تزوجني"، وتتضمن اسمها وعنوانها. فيما بعد يتم العثور على رسائل مماثلة في الملابس المخصصة للتصدير إلى السويد أيضاً.
- كان فقدان الحس أسهل عليّ من فقدان الهدف.
- الافتراءات سرقت مني روحي.
- لا يعترف المدمنون بشيء، ولو في صمت أمام أنفسهم – ولن يتركوا أحداً ينتزع هذا الاعتراف منهم، وخصوصاً من يرتقب سماع اعترافهم.
- كم توجب علي الكذب أو إغلاق فمي كي أحمي الذين أحبهم –ففي تلك الأوقات كان بوسعي أن أتحمل قليلاً- وأمنعَ عنهم الانجرار إلى كارثة ما (....)كلما رغبتُ في استمرار كراهيتي إلى الأبد تخففت بالاشمئزاز. كنت أستسلم للكراهية التالية، ومعي من الحب نزر يسير، يقابله من جهة أخرى ركامٌ من توبيخ الذات. كنت دائماً أتمتع بالحس الكافي كي أحمي الآخرين، ولكني لم أملك منه أبداً ما يكفي كي أنقذ نفسي من المصيبة (....) كنتُ دائماً داخل الألم؛ ضباب الألم في كل مكان خانقٌ ومسموم، لا يُرى ولا يُلمس، لا يمكن تحديده ولا اختراقه.
- كل شيء مهين. لا أجد كلمة أخرى غير الإهانة، عندما تشعر بجسدك كله وكأنه قدم حافية"، تقول الساردة المجهولة، "إني لا شيء، بصرف النظر عن استدعائي".
اقتباسات من الشيطان جالس في المرآة
- ينحني الملك ويقتل، منذ وقت طويل كان الثعلب صياداً، حبة بطاطا دافئة هي سرير دافىء، سيدة تعيش في جديلة شعرها.
- استخدام الكلمات المتداولة يختلف عن شعورك بالمعاني التي تبطنها، فتمكني من اللغة الرومانية متوسط المستوى، وباعتقادي أن أجمل ما في هذه اللغة هو لغة الحياة اليومية التي تعلمتها جيداً أثناء عملي كمترجمة في مصنع السيارات. اليوم، سألني أحدهم عما تعلمته من الكتاب الطليعيين، فأجبته بأنني قد تعلمت الكثير من الأغاني الفولكلورية.
- عندما استمعت للمرة الأولى إلى غناء ماريا تاناس لم أصدق ما سمعته، وكانت تلك هي المرة الأولى التي أشعر فيها حقاً بمعنى كلمة الفولكلور.
- الموسيقى الرومانية الفولكلورية تشدك إلى الوجود بطريقة مليئة بالمعاني، أما الفولكلور الألماني فلم يلهمني شيئاً على الإطلاق.
- المجازات في اللغة الرومانية أكثر حسية ومباشرة، وتلك الصور المباشرة تلائمني على نحو أفضل مما تتيحه لي لغتي الأم الألمانية، وهذا هو أحد الأسباب الرئيسية التي جعلتني أرغب في تعلم اللغة الرومانية. أنا حساسة جداً فيما يتعلق بهذه اللغة، لكن مفرداتي ليست بذاك الغنى. ومن الصعب أن تعبر عن نفسك إذا افتقرت إلى المفردات. أتذكر أنني عندما التقيت إميل سيوران في باريس أخبرني برفضه أن يتكلم الرومانية منذ قدومه إلى فرنسا، ولكن مع تقدمه في السن صار يحلم بالرومانية، وما عاد بوسعه أن يتغلب على هذه الرغبة. فهي، كما قال لي، لغة تنقضُّ علي ولا أستطيع أن أحمي نفسي منها.
- في اللغة الرومانية تعني زهرة الثلج حرفياً "دموع صغيرة" أما في الألمانية فتعني "أجراس أيار الصغيرة"، فهنا لا نتكلم عن كلمات مختلفة فحسب وإنما عن عالمين مختلفين تماماً. بالنسبة للرومانيين يعني انسكابُ نيزك موتَ شخص ما، أما الألمان فيرونه أمنيةً تتحقق".
- الكولاج شديد الشبه بالحياة، إذ أن الصدفة تلعب دوراً أساسياً في هذا المضمار؛ تبحث عن كلمة فتصادف كلمة أخرى، وتبدو لك الأخيرة هي الكلمة المناسبة فتلصقها على الورق المقوى وترى القصيدة أمامك وأنت عاجز عن تغيير أي شيء فيها. ليس بمستطاعك استرجاعُ الماضي، ولا تعديلُ هذه القصيدة كما هو ممكنٌ عادة في القصائد الأخرى.
مقاطع من رواية (أرض الخوخ الأخضر)
- لم أعد إلى الوطن. كنت في ألمانيا، وتلقيت من الكابتن بيل مكالمات هاتفية من خارج ألمانيا أو تهديدات بالموت عبر البريد. كانت ترويسة الرسائل تظهر فأسين متصالبتين، وكل رسالة تحوي شعرة سوداء. لمن كانت؟
- تفحصتُ الرسائل عن كثب، وكأن القتلة الذين سيرسلهم الكابتن بيل جالسون بين السطور وهم يحدقون في عينيّ. رنّ الهاتف. رفعت السماعة. كانت تيريزا: أرسلي إلى بعض النقود، أريد أن أزورك. هل يُسمح لك بالسفر؟ - نعم، أعتقد ذلك. كان ذاك هو حديثنا.
- جاءت تيريزا لزيارتي. لاقيتها في محطة القطار. كان وجهها ساخناً وعيناي نديتين. على رصيف تلك المحطة رغبت فجأة في لمس كل جزء من تيريزا. كانت يداي ضئيلتين بالنسبة إليها، رأيت السقف فوق شعر تيريزا، وشعرت بنفسي أطفو صوبه. أثقلتْ حقيبة تيريزا ذراعي، ولكنني حملتها وكأنها مملوءة بالهواء. لم أنتبه إلى احمرار يدي بسبب مقبض الحقيبة إلا عند ركوبنا الباص. تمسكت بمسند الركاب الواقفين حيث كانت يد تيريزا. شعرت بخواتم تيريزا داخل يدي. لم تنظر تيريزا إلى المدينة عبر النافذة وإنما حدقت في وجهي. ضحكنا وكأن الريح تدغدغنا عبر النافذة المفتوحة.
- قلتُ: سأكون على حقّ إذا طردتك الآن. قلتُ: إن الغناء أمام الكابتن بيل لا يقارن بفعلتك هذه التي عرّتني أمامه.ولكن رغبتي في رؤيتك ليست أمراً بهذا السوء، قالت تيريزا. سأتدبر شيئاً ما أقوله لبيل، شيئاً لا أهمية له بأية حال. نستطيع أن نتدبره معاً، أنا وأنت.
- أنا وأنت. لا تفهم تيريزا أن "أنا وأنت" قد انتهت، ولم يعد من الممكن نطقها بالنفس إياه، وعجزتُ عن إغلاق فمي لأن قلبي كان يخفق داخله.
- شربنا القهوة. كانت تشربها كالماء، ولم تدع الفنجان يفارق يدها، فقلت في سري، ربما هي عطشى بسبب الرحلة. كان الوقت ساكناً؛ ستذهب تيريزا ولكنها ستترك وجهها هنا يراني لأنني افتقدته دائماً. أرتني الندبة تحت ذراعها حيث استأصلوا الكتلة. وددت لو آخذ الندبة في يدي وأضربها. وددت لو أقتلع حبي من داخلي فأرميه على الأرض وأدوسه. عليّ بالإسراع إلى الاستلقاء حيث رميته لأدعه يزحف عائداً عبر عينيّ إلى رأسي. وددتُ لو خلعتُ الذنب عن تيريزا كما لو كان ثوباً بخساً.
- خمد عطشها، فشربت فنجان القهوة الثاني ببطء. أرادت أن تمكث شهراً. سألت عن كورت، فقالت تيريزا: لا شيء يدور داخل رأسه غير المسلخ، ولا يتكلم إلا عن شرب الدم. لا أعتقد بأنه يحبني.
- كانت تيريزا ترتدي بلوزاتي وفساتيني وتنانيري، كانت تذهب إلى المدينة برفقة ثيابي عوضاً عني. في المساء الأول أعطيتها المفتاح وبعض النقود وقلت: لا وقت لدي. لم تستوعب رهافتُها عذري. خرجت بمفردها وعادت بأكياس ملأى بالمشتريات.وفي المساء وجدتها إلى جوار حوض الحمام، موشكةً أن تغسل ثيابي فقلت: لا عليك، لا تعيديها إلي.
- بعد خروج تيريزا، خرجتُ أنا أيضاً من البيت. لم أستطع الشعور بأي شيء سوى الخفقان في حلقي. لازمت الشوارع المحيطة وتجنبت المحلات كي لا أصادفها. لم أمكث في الخارج طويلاً وعدت قبلها.
- كانت حقيبة تيريزا مقفلة. وجدت المفتاح تحت السجادة. في القسم الداخلي من الحقيبة وجدت رقم هاتف ومفتاحاً جديداً. اتجهت إلى باب بيتي الأمامي فوجدت المفتاح ملائماً له. اتصلت بالرقم فأجابني صوت: السفارة الرومانية. أقفلت الحقيبة وأعدت مفتاح الحقيبة إلى مكانه تحت السجادة. وضعت مفتاح الباب الأمامي ورقم الهاتف في درج مكتبي.
- سمعت المفتاح يدور في الباب، وقع خطى تيريزا في الممر، باب غرفتها ينفتح. سمعت خشخشة أكياس التسوق، وباب غرفتها وباب المطبخ وباب البراد. سمعت صليل الشوكة والسكين، الحنفية المفتوحة، باب الثلاجة وهو يصفق، باب المطبخ، باب غرفتها. كنت أبلع ريقي بمشقة لدى كل ضجة تحدثها. شعرت بأياد تمسك بخناقي، وبكل ضجة تتمكن مني. ثم انفتح باب غرفتي، ووقفت تيريزا هناك وفي يدها نصف تفاحة مأكولة، وقالت: لقد فتشتِ حقيبتي.
- أخرجت المفتاح من درج المكتب وقلت: هل هذا هو الشيء الذي لا أهمية له بأية حال لدى بيل؟ لقد جئت لكي تنسخي مفتاحي. قطارك سيغادر الليلة.
- شعرت بلساني أثقل من باقي جسدي. تركت تيريزا تفاحتها وحزمت حقيبتها. ذهبنا إلى موقف الباص. كانت هناك امرأة عجوز تنتظر وفي يدها بطاقتها وحقيبة مربعة.
- كانت تمشي ذهاباً وإياباً قائلة: سيصل باص في أية دقيقة. ثم رأيت سيارة أجرة فاستوقفتها إذ قد لا يأتي الباص أبداً، فلا يتوجب علي الجلوس أو الوقوف هناك وأنا أنتظر برفقة تيريزا. ركبت إلى جوار السائق.
- وقفنا على رصيف المحطة، هي تتمنى لو استطاعت المكوث هنا ثلاثة أسابيع أخرى وأنا أتمنى تلاشيها على الفور. لم نتبادل الوداعات، ثم انطلق القطار ولم تلوح أية يد بالوداع سواء داخل القطار أو خارجه.
- كانت الطرقات خالية وساقاي أوهن من خيطين. عدت من المحطة إلى البيت مشياً واستغرقت من الليل نصفه وتمنيت ألا أصل إلى هناك أبداً. ما عدت أنام في الليل.
- وددتُ أن ينمو الحب من جديد كالعشب عندما يجزونه، أن ينمو نمواً مختلفاً إذا اقتضت الحاجة، كأسنان الأطفال، كالشعر، كأظافر اليدين. فيتواثب متى ما شئت، جامحاً وطليقاً. جعلتني برودة الشراشف أرتجف، وكذلك الدفء الذي أعقب استلقائي.
- عندما ماتت تيريزا إثر عودتها إلى الوطن بستة أشهر، أردت أن أنسى هذه الذكرى. ولكن لمن سأمنحها؟ وصلت رسالة تيريزا الأخيرة بعد موتها:
- الآن كل ما بوسعي القيامُ به هو أن أتنفس كالخضار في الحديقة، جسدي مشتاق إليك.
- حبي لتيريزا عاد إلى النمو من جديد، أرغمتُه على النمو، إذ علي أن أحمي نفسي، أحمي نفسي من تيريزا ومني، لعلي أعود على النحو الذي كناه قبل زيارتها لي. كان علي أن أربط يديّ إذ أرادتا أن تكتبا لتخبرا تيريزا إني لا أزال أتذكر كلينا معاً، وإن البرد الذي في داخلي قد حرك الحب رغماً عن عقلي.
- بعد أن غادرت تيريزا، تكلمت مع إدغار فقال: لا ينبغي أن تكتبي لها، لقد رسمتِ مساراً، إذا كتبت وأخبرتها كم كنت تتعذبين فسيبدأ الأمر كله من جديد مرة أخرى. ثم ستعاود زيارتك. أعتقد أن تيريزا كانت تعرف بيل عندما عرفتك، أو ربما قبل ذلك.
- كيف ومتى ولماذا اختلط الحب الحميم بالجريمة؟ شعرت بأنني أصرخ اللعنات التي تفوقُ طاقتي.
- من يحب ويهجر سيلقى غضب اللـه، سيعاقبه اللـه بالخنافس وعويل الريح وغبار الأرض. أصرخ اللعنات، ولكن في أذنِ من؟
- اليوم ينصتُ العشب عندما أتكلم عن الحب...
أعمالها
[عدل]- منخفضات (مجموعة قصصية) - سنة النشر: 1984 ألمانيا (نشرت للمرة الأولى في رومانيا عام 1982 بعد حذف العديد من الفقرات بها من قبل الرقابة الرومانية)
- رواية (1982) - سنة النشر 1984
- جواز السفر - سنة النشر 1986
- الترحال على ساق واحدة - سنة النشر 1989
- الشيطان منعكسًا في المرآة - سنة النشر 1991
- الثعلب هو بالفعل الصياد - سنة النشر 1992
- البطاطا الساخنة هي السرير الدافئ - سنة النشر 1992
- الجوع والحرير (مقالات) - سنة النشر 1995
- الموعد - سنة النشر 2001
- الملك يركع ويُقتل - سنة النشر 2003
- الرجال الشاحبون وفناجين القهوة - سنة النشر 2009
- أرجوحة النفس Atemschaukel - سنة النشر 2009
- Immer derselbe Schnee und immer derselbe Onkel سنة النشر 2011
- Vater telefoniert mit den Fliegen سنة النشر 2012
وصلات خارجية
[عدل]- Herta Müller (بيوغرافيا)
- AFP https://archive.is/20130426094102/www.google.com/hostednews/afp/article/ALeqM5inXouhy2-xXRiDMdtGkvUe6Ee-Bw
- مقتطفات أدب هيرتا موللر (بيوغرافيا)
مراجع
[عدل]- ↑ هيرتا موللر https://www.maqola.net/auth/%d9%87%d9%8a%d8%b1%d8%aa%d8%a7-%d9%85%d9%88%d9%84%d9%84%d8%b1/
- ↑ عندما تشعر بجسدك كله وكأنه قدم حافية.. (مقتطفات من نصوص هرتا مولر)- إعداد وترجمة: جولان حاجي http://archive.alawan.org/%D8%B9%D9%86%D8%AF%D9%85%D8%A7-%D8%AA%D8%B4%D8%B9%D8%B1-%D8%A8%D8%AC%D8%B3%D8%AF%D9%83.html